من "الدولار الأسود" إلى "المُجمَّد".. لبنان في مواجهة احتيال عالمي متصاعد

 


 في لبنان، لم يعد الاحتيال المالي مجرد جرائم فردية معزولة، بل بات جزءًا من موجة عالمية متصاعدة تستغل الأزمات الاقتصادية، والتطور التكنولوجي، وضعف الثقة بالأنظمة المصرفية. من عمليات “الدولار الأسود” التي خدعت آلاف الضحايا، إلى أموال “مُجمَّدة” في منصات واستثمارات وهمية عابرة للحدود، يجد اللبنانيون أنفسهم في قلب شبكة احتيال دولية تتبدّل أدواتها وتتشابه نتائجها.

من “الدولار الأسود” إلى النسخ الرقمية

شكّلت عمليات “الدولار الأسود” مثالًا كلاسيكيًا على الاحتيال القائم على الخداع الكيميائي والوعود بتحويل أوراق سوداء إلى دولارات حقيقية. ومع الزمن، تطورت الأساليب لتأخذ أشكالًا أكثر حداثة:

  • استثمارات وهمية بالعملات الرقمية

  • منصات تداول مزيفة تعد بأرباح سريعة

  • تحويلات دولية معلّقة بحجة “إجراءات امتثال” لا تنتهي

اليوم، لم تعد الحقيبة السوداء ضرورية؛ يكفي رابط إلكتروني، أو مكالمة عبر تطبيق مشفّر، أو حساب يبدو “موثوقًا” على وسائل التواصل.

لماذا لبنان هدف سهل؟

عدة عوامل تجعل لبنان بيئة خصبة لهذه الجرائم:

  1. انهيار الثقة بالمصارف يدفع الأفراد للبحث عن بدائل سريعة.

  2. الضغط المعيشي يزيد قابلية المخاطرة.

  3. ضعف الملاحقة القضائية العابرة للحدود يعقّد استرداد الأموال.

  4. الاغتراب الواسع يفتح قنوات تحويل واستثمار يسهل استغلالها.

الاحتيال “المُجمَّد”: الوجه الجديد

أحد أخطر الأساليب الراهنة هو ما يُعرف بالأموال “المُجمَّدة”. يُقنع المحتال الضحية بأن لديه رصيدًا كبيرًا عالقًا لدى جهة دولية، ويطلب رسومًا متتالية لفك التجميد: ضريبة، عمولة، تأمين، ثم سبب جديد… حتى تختفي الأموال والوسيط معًا.

المواجهة: ما الذي يمكن فعله؟

  • التدقيق الصارم: لا استثمار دون ترخيص واضح وسجل قانوني.

  • قاعدة “الربح السريع = خطر”: الأرباح المضمونة علامة تحذير.

  • عدم دفع أي “رسوم فك تجميد” دون مستندات رسمية قابلة للتحقق.

  • التبليغ والتوعية: مشاركة التجارب تقلّل عدد الضحايا.

  • تعزيز التعاون الدولي: لأن الجرائم عابرة للحدود.

الخلاصة

لبنان لا يواجه مجرد عمليات نصب تقليدية، بل نسخة معولمة من الاحتيال تتكيّف بسرعة مع الأزمات والتكنولوجيا. المواجهة تبدأ بالوعي، وتستمر بتشريعات أقوى وتعاون دولي فعّال. فبين “الدولار الأسود” وأموال “مُجمَّدة” لا تُفك، الخاسر الأكبر هو الثقة—وهي رأس المال الأندر في زمن الانهيارات.

Post a Comment

أحدث أقدم